مضاد اكسدة
أصبح من الواضح أن ثمة اهتماما متزايدا من جانب الباحثين للكشف عن الفوائد الصحية للعديد من الأغذية والنباتات والمواد الطبيعية، في محاولة منهم للسيطرة على أمراض العصر، ومقاومة الشيخوخة، وإطالة العمر، وقد حفزهم وأثار فضولهم، التوصل إلى نظرية جديدة تفسر كيفية حدوث العديد من الأمراض الخطيرة والسرطانات والشيخوخة المبكرة.. وهي نظرية «مضادات الأكسدة».. فما مضادات الأكسدة؟ وما أهميتها؟
يمكن تعريف مضادات الأكسدة «Antioxidants» بأنها مجموعة من العناصر والمركبات الموجودة بصورة طبيعية في جميع الخضروات والفاكهة ومعظم الأعشاب الطبيعية، كما توجد أيضا في لحوم الأسماك والبيض وبعض الحبوب. وقد اتضحت أهميتها الخاصة وفعاليتها الكبيرة في الوقاية والعلاج من كثير من الأمراض بسبب قدرتها على تحصين الجسم ضد غزو الجراثيم المرضية والقضاء عليها، فضلا عن كونها تقي الجسم من أمراض العصر المتمثلة بتصلب الشرايين والقرحة المعدية ومرض السكر والسرطان وغيرها. ناهيك عن دورها الفعال في الفتك بما يسمى «المشتقات الشاردة Free Radicals» الضارة، والتي تنتج بصورة طبيعية عن عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم، ويزداد عددها وخطورتها في مجالات معينة كالشيخوخة، والإصابة ببعض الأمراض، وعند الإرهاق العضوي والنفسي وكثرة التعرض للملوثات البيئية.
المشتقات الشاردة... وأخطارها
يؤدي عنصر الأكسجين دورا مهما في إنتاج الطاقة التي يستهلكها الجسم في عمليات وظيفية عديدة تجري في أعضاء الجسم وأنسجته وخلاياه، ويطلق على العمليات التي يتحول من خلالها الأكسجين إلى طاقة اسم «الأكسدة Oxidation».
وتتولد بأجسامنا بصورة طبيعية، ومن خلال عمليات التمثيل الغذائي التي نحصل من خلالها على الطاقة من الغذاء الذي نتناوله مركبات كيميائية غير ثابتة أو غير مستقرة شديدة القابلية للتفاعل لاكتساب صفة الثبات تسمى «المشتقات الشاردة»... وسبب عدم ثباتها هو أنها تفتقر إلى إلكترون في إحدى الذرات لديها، أي أنها تحتاج إلى إلكترون لكي تصبح مستقرة. ومعلوم أن جزئيات أي مادة في الكون تحتوي على زوجين من الإلكترونات أو مضاعفاتهما حتى تسير في توازنها الطبيعي. وعندما تأخذ هذه المشتقات إلكترونا من جزئ آخر مستقر فإنها تحوله إلى مشتق شارد آخر... ولذا تستمر هذه التفاعلات بصورة متتالية وبسبب حدوث هذه التفاعلات التي تتم في وجود الأكسجين «الأكسدة»، تتعرض خلايا الجسم التي تهاجمها هذه المشتقات بغرض اكتساب صفة الثبات إلى التلف، ومع الوقت وعلى مدى سنوات طويلة تصاب أعداد هائلة من خلايا الجسم بالتلف والتدمير.
والجدير بالذكر أن أغلب هذه المشتقات الشاردة يتولد من عمليات التمثيل الغذائي بالجسم، وبعضها يتولد بالجسم من مشتقات شاردة أخرى، وبعضها الأخير يتولد ويزداد بالجسم - كما قلت آنفا - بسبب عوامل أخرى مثل التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وبعض الأمراض، والشيخوخة، وتناول بعض العقاقير، والتعرض للمبيدات الحشرية، والتدخين، والتعرض لملوثات الهواء والبيئة عموما.
وليس ثمة شك أن اكتشاف «المشتقات الشاردة» يعد من أهم المنجزات العلمية التي تم التوصل إليها في مجال أبحاث الشيخوخة ومقاومة الأمراض. فهذه المشتقات تؤدي إلى تدمير واسع المدى متعاقب الآثار على خلايا وأنسجة الجسم كلها، وتسبب حدوث تلف في الجينات والبروتينات والإنزيمات والحمض النووي لخلايا «DNA» كما أنها تسرع من عملية الأكسدة الضارة بالجسم فتؤثر سلبا على العديد من وظائفه الحيوية وتحدث الخلل الذي يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.
وهكذا يتسارع معدل تدمير وتهرؤ خلايا الجسم بما يتجاوز قدرة الجسم على عملية الإحلال والتجديد اللازمة للتعويض، فيشيخ الجسم البشري وتهرم أجهزته وتتقاعس آلياته عن القيام بأدوارها الحيوية ويبدأ العد التنازلي للنهاية.
لقد قدر أن هذه المشتقات الشاردة تسبب الإصابة بما لا يقل عن «60» مرضا من أمراض الإنسان تتراوح في خطورتها بين الأورام السرطانية والذبحات الصدرية وتصلب الشرايين والسكتة الدماغية إلى قرحة المعدة والربو الشعبي والتهاب المفاصل الروماتويدي وإعتام عدسة العين «المياه البيضاء» فضلا عن الشيخوخة المبكرة.
دور مضادات الأكسدة في حماية الجسم من الأمراض
تتعدد وظائف وأدوار مضادات الأكسدة لتغطي معظم حاجات الإنسان من الوقاية والشفاء وترميم أنسجة وخلايا الجسم وحماية الحمض النووي الـ «DNA» من تأثير الإشعاعات الضارة والمواد الكيميائية السامة.
وتعد مضادات الأكسدة المسؤول الرئيس عن التعامل مع المشتقات الشاردة والتي تزداد حدة وشراسة في حالات المرض والإرهاق النفسي والجسدي وزيادة التعرض للملوثات البيئية. ولا عجب فهي تتحد مع الأكسجين الزائد وتحرم بذلك المشتقات الشاردة من الأكسجين الذي تحتاج إليه لحدوث تفاعلاتها المدمرة للخلايا، والتي تجعلها تكتسب صفة الثبات. ليس هذا فحسب، بل إن مضادات الأكسدة تقوم بتثبيط عمل المشتقات الشاردة وتصحح أوضاعها، إما بإعطائها «الإلكترون المطلوب» أو بسلبها أحد إلكتروناتها حتى توقف شذوذها وشرودها أو تقوم بتكسيرها والتخلص منها نهائيا وإلقائها خارج الجسم.
ومما يدعو إلى التأمل أن ثمة توازنا دقيقا بين المشتقات الشاردة ومضادات الأكسدة الموجودة في الجسم في الحالات الطبيعية، بحيث لا تطغى المشتقات على المضادات، وبذلك تبقى خلايا الجسم في حماية مستمرة من هذه المواد المدمرة، بالرغم من أن خلايا الجسم تتعرض يوميا لعشرة آلاف ضربة من المشتقات الشاردة.
ومع أن آلية عمل مضادات الأكسدة غير واضحة تماما، إلا أن البحوث العلمية والتجارب المخبرية والدراسات الإحصائية والعادات الغذائية لدى بعض الشعوب، أكدت فاعلية مضادات الأكسدة في الوقاية من الأمراض ومقاومتها.
عائلة مضادات الأكسدة
تضم عائلة مضادات الأكسدة بعض الفيتامينات والمعادن والمواد الطبيعية التي تقاوم المشتقات الشاردة وتمنع عمليات الأكسدة وتلف الخلايا.
ولقد اكتسبت فيتامينات «ا،ج،هـ» أهمية جديدة، بعد أن عرف دورها الكبير في منع التأكسد وإطالة العمر الافتراضي لخلايا الجسم، ومعالجة بعض الأمراض... وهذه هي أهم أفراد عائلة مضادات الأكسدة:
1- بيتاكاروتين وغيره من الكاروتينويدات: البيتاكاروتين، هي المادة التي تتحول داخل الجسم إلى فيتامين «أ». وتعد من أهم مضادات الأكسدة، إذ تمنع أكسدة الدهون خاصة، وتزيل أو«تكنس» جزيئات الأكسجين الزائدة.
ولقد بينت دراسة قام بها باحثون من لجنة الغذاء الأمريكية انخفاض معدلات الإصابة بالشريان التاجي لدى رجال مدخنين تناولوا الكاروتينويدات. تتوافر هذه المواد بصفة خاصة في الخضراوات والفاكهة ذات اللون الأصفر أو البرتقالي مثل الجزر والتفاح والكمثرى والمشمش والكانتالوب والسبانخ واللبن والسمك.
2- فيتامين «ج»: يعمل هذا الفيتامين المهم على تقوية جدران الأوعية الدموية وأغشية الخلايا وتحصينها ضد غزو الجراثيم وفي تنشيط عدد كبير من الإنزيمات وتفعيل العمليات الحيوية والتمثيل الغذائي، وإبطال مفعول السموم، ومقاومة المشتقات الشاردة بتخفيفها ومعادلتها في المناطق المائية بالجسم مثل الدم وداخل الخلايا.
ويفيد تناول فيتامين «ج» بجرعات تتراوح بين 1 - 3 جرامات يوميا في الذبحة الصدرية وتصلب الشرايين وأمراض الشريان التاجي والسرطان والمياه البيضاء، ويتوافر هذا الفيتامين في الموالح عموما والأوراق الخضراء للنباتات كالليمون والبرتقال والجريب فروت والجوافة والفلفل والطماطم والقنبيط والبطاطس.
3- فيتامين «هـ»: ويعد أحد أهم مضادات الأكسدة، ولا عجب فهو يحمي المناطق الدهنية من الجسم مثل جدران الخلايا من حدوث الأكسدة، ويقوم بإزالة المشتقات الشاردة، ولقد أظهرت دراسة قام بها خبراء من جامعة كامبردج أن إعطاء أشخاص جرعات كبيرة من فيتامين «ج» تتراوح بين «400 - 800» وحدة دولية، أدى إلى انخفاض نسبة حدوث الجلطات القلبية بمعدل 77% وانخفاض نسبة تصلب شرايين القلب بنسبة 74%، يتوافر هذا الفيتامين في زيت جنين القمح وزيوت السمك والذرة والزيتون والمكسرات والخضراوات الورقية مثل الخس والبقول والأسماك واللبن والبيض.
4- السيلينيوم والزنك: ويدخلان في تركيب إنزيمات عديدة مضادة للأكسدة والتي تقوم بمحو جزئيات الأكسجين الزائدة. يتوافر السيلينيوم في البصل والثوم والأسماك والحيوانات البحرية... ويتوافر الزنك في العديد من الأطعمة، وخاصة التفاح والكمثرى والخس.
ويذكر أنه لولا وجود هذا الحارس الأمين المعروف باسم فيتامين «هـ» ووجود معدن مهم هو «السيلينيوم» يعمل معه في منع تكوين المشتقات الشاردة أو على أقل تقدير على إضعاف حركتها وتثبيط نشاطها لشاخ الإنسان منذ ولد.
5- الفلافونويدات: وهذه مجموعة من الصبغات النباتية يزيد عددها على 200 نوع من الصبغات، وتتميز بمفعول قوي جدا كمضادات للأكسدة حيث تقاوم المشتقات الشاردة وتحمي فيتامين «ج» من التلف. وتعتبر مركبات «البولويفينولات» الموجودة بالشاي الأخضر مجموعة أساسية من هذه النوعية. وتتوافر الفلافونويدات في الشاي الأخضر، والنباتات ذات الأوراق الخضراء، وفي جلد وقشور الفواكه والخضروات.
المصادر الغذائية
لمضادات الأكسدة
ليس ثمة شك أن معظم الأغذية النباتية من خضراوات وفاكهة وأعشاب طبية تحتوي على نوع أو أكثر من مضادات الأكسدة.
والملاحظ أن معظم مضادات الأكسدة يوجد وبوفرة في الكثير من المصادر الطبيعية كالفواكه والخضراوات والأسماك التي حبا المولى سبحانه وتعالى هذه الطبيعة بها وسخرها لعباده ولما تقتضيه حاجاتهم وظروفهم الطبيعية والطارئة.
كما أن الغالبية العظمى من هذه المصادر الطبيعية التي تحتوي على مضادات الأكسدة قد تكرر ذكرها في القرآن الكريم كما أوصانا رسولنا الكريم باستخدامها في العديد من أحاديثه الشريفة ومنها:
التين والزيتون والعنب والرمان والأسماك.
وثمة قائمة طويلة من الأغذية والنباتات والأعشاب التي كشف العلماء غناها بمضادات الأكسدة... نذكر بعضها فيما يلي:
1- الشاي الأخضر: تحتوي أوراق الشاي الأخضر على أربعة أنواع من «الكاتشنات» التي تقضي على أخطر الجراثيم المعوية، كما تقضي على جراثيم الفم المسببة لتسوس الأسنان. ليس هذا فحسب بل تقضي أيضا على الجرثومة الحلزونية والمسببة لقرحة المعدة والاثنى عشر. ويعتقد عدد من العلماء أن الشاي الأخضر بما يحتويه من مواد مضادة للأكسدة يقاوم حدوث تلف بالحمض النووي، ويوقف تكوين بعض المواد المسرطنة، ويوقف الإنزيم المساعد على نمو السرطان، كما يوقف نشاط الجهاز الإنزيمي الموجود بالكبد والذي ينشط بعض المواد ويجعلها مسرطنة ومن ثم فإن الشاي الأخضر يقي بإذن الله من الإصابة بسرطان الجلد والرئة والمرئ والمعدة والأمعاء والبروستاتا والكبد والبنكرياس والمثانة!
ويعتقد الباحثون أن تناول اليابانيين مقادير كبيرة من الأسماك والشاي الأخضر من أهم العوامل التي تقيهم من الإصابة بسرطان الرئة، وبينت البحوث أن مضاد الأكسدة «الأبيجالوكاتشين جاليت EGCG» الموجود في الشاي الأخضر يحافظ على صحة وسلامة القلب والرئتين وذلك من خلال إنقاص مستوى كوليستيرول الدم الضار وزيادة مستوى كوليستيرول الدم الحميد، كما يقوم بمنع تجمع صفائح الدم بشكل مفرط، ومن ثم يقلل احتمالات حدوث الجلطات، ومن ناحية أخرى تعمل مضادات الأكسدة في الشاي خصوصا «الأبيكاتشين Ec» على تنشيط إفراز الإنسولين وتقليل امتصاص السكر والدهون من الطعام مما يحول دون الإصابة بالسمنة المفرطة التي تسبب الكثير من الأمراض.
2- فول الصويا: يحافظ فول الصويا بما يحتويه من مضادات الأكسدة على سلامة الحمض النووي للخلايا، كما يعمل على منع حدوث السرطانات.
3- الطماطم: كان العلماء يعتقدون أن الطماطم تحتوي على مضاد أكسدة واحد هو فيتامين «ج» ولكن تبين مؤخرا أنها تحتوي على مضاد آخر للأكسدة يسمى «اللوكبين» الذي يمنع الإصابة بسرطان البروستاتا وأمراض الشرايين والقلب.
4- الفلفل الأخضر: يحتوي الفلفل الأخضر أو الأحمر على العديد من مضادات الأكسدة مثل فيتامين «ج» والكاروتين.
5- التمر: مصدر رئيسي لعنصري السيلينيوم والزنك اللذين يعملان كمضادات للأكسدة ويمنعان سرطان البروستاتا.
6- التين: ويحتوي على نسبة عالية من السكريات وأملاح الكالسيوم والفسفور والحديد وفيتامينات أ،ب،ج «من مضادات الأكسدة» وفيتامين «ك» الذي يساعد على سرعة تجلط الدم وإيقاف النزف. فضلا عن احتوائه على مضاد للأكسدة يمنع حدوث سرطان المعدة والقولون.
وبناء على ما تقدم، ينصح الأطباء واختصاصيو التغذية بضرورة الاعتماد على عالم النبات في غذائنا، والابتعاد تماما عن تناول الأطعمة الصناعية، وعدم المكوث لفترات طويلة في الأماكن الملوثة، والامتناع نهائيا عن التدخين، كما ينصح بتناول عشرة أنواع من الخضراوات والفاكهة يوميا.
يمكن تعريف مضادات الأكسدة «Antioxidants» بأنها مجموعة من العناصر والمركبات الموجودة بصورة طبيعية في جميع الخضروات والفاكهة ومعظم الأعشاب الطبيعية، كما توجد أيضا في لحوم الأسماك والبيض وبعض الحبوب. وقد اتضحت أهميتها الخاصة وفعاليتها الكبيرة في الوقاية والعلاج من كثير من الأمراض بسبب قدرتها على تحصين الجسم ضد غزو الجراثيم المرضية والقضاء عليها، فضلا عن كونها تقي الجسم من أمراض العصر المتمثلة بتصلب الشرايين والقرحة المعدية ومرض السكر والسرطان وغيرها. ناهيك عن دورها الفعال في الفتك بما يسمى «المشتقات الشاردة Free Radicals» الضارة، والتي تنتج بصورة طبيعية عن عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم، ويزداد عددها وخطورتها في مجالات معينة كالشيخوخة، والإصابة ببعض الأمراض، وعند الإرهاق العضوي والنفسي وكثرة التعرض للملوثات البيئية.
المشتقات الشاردة... وأخطارها
يؤدي عنصر الأكسجين دورا مهما في إنتاج الطاقة التي يستهلكها الجسم في عمليات وظيفية عديدة تجري في أعضاء الجسم وأنسجته وخلاياه، ويطلق على العمليات التي يتحول من خلالها الأكسجين إلى طاقة اسم «الأكسدة Oxidation».
وتتولد بأجسامنا بصورة طبيعية، ومن خلال عمليات التمثيل الغذائي التي نحصل من خلالها على الطاقة من الغذاء الذي نتناوله مركبات كيميائية غير ثابتة أو غير مستقرة شديدة القابلية للتفاعل لاكتساب صفة الثبات تسمى «المشتقات الشاردة»... وسبب عدم ثباتها هو أنها تفتقر إلى إلكترون في إحدى الذرات لديها، أي أنها تحتاج إلى إلكترون لكي تصبح مستقرة. ومعلوم أن جزئيات أي مادة في الكون تحتوي على زوجين من الإلكترونات أو مضاعفاتهما حتى تسير في توازنها الطبيعي. وعندما تأخذ هذه المشتقات إلكترونا من جزئ آخر مستقر فإنها تحوله إلى مشتق شارد آخر... ولذا تستمر هذه التفاعلات بصورة متتالية وبسبب حدوث هذه التفاعلات التي تتم في وجود الأكسجين «الأكسدة»، تتعرض خلايا الجسم التي تهاجمها هذه المشتقات بغرض اكتساب صفة الثبات إلى التلف، ومع الوقت وعلى مدى سنوات طويلة تصاب أعداد هائلة من خلايا الجسم بالتلف والتدمير.
والجدير بالذكر أن أغلب هذه المشتقات الشاردة يتولد من عمليات التمثيل الغذائي بالجسم، وبعضها يتولد بالجسم من مشتقات شاردة أخرى، وبعضها الأخير يتولد ويزداد بالجسم - كما قلت آنفا - بسبب عوامل أخرى مثل التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وبعض الأمراض، والشيخوخة، وتناول بعض العقاقير، والتعرض للمبيدات الحشرية، والتدخين، والتعرض لملوثات الهواء والبيئة عموما.
وليس ثمة شك أن اكتشاف «المشتقات الشاردة» يعد من أهم المنجزات العلمية التي تم التوصل إليها في مجال أبحاث الشيخوخة ومقاومة الأمراض. فهذه المشتقات تؤدي إلى تدمير واسع المدى متعاقب الآثار على خلايا وأنسجة الجسم كلها، وتسبب حدوث تلف في الجينات والبروتينات والإنزيمات والحمض النووي لخلايا «DNA» كما أنها تسرع من عملية الأكسدة الضارة بالجسم فتؤثر سلبا على العديد من وظائفه الحيوية وتحدث الخلل الذي يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.
وهكذا يتسارع معدل تدمير وتهرؤ خلايا الجسم بما يتجاوز قدرة الجسم على عملية الإحلال والتجديد اللازمة للتعويض، فيشيخ الجسم البشري وتهرم أجهزته وتتقاعس آلياته عن القيام بأدوارها الحيوية ويبدأ العد التنازلي للنهاية.
لقد قدر أن هذه المشتقات الشاردة تسبب الإصابة بما لا يقل عن «60» مرضا من أمراض الإنسان تتراوح في خطورتها بين الأورام السرطانية والذبحات الصدرية وتصلب الشرايين والسكتة الدماغية إلى قرحة المعدة والربو الشعبي والتهاب المفاصل الروماتويدي وإعتام عدسة العين «المياه البيضاء» فضلا عن الشيخوخة المبكرة.
دور مضادات الأكسدة في حماية الجسم من الأمراض
تتعدد وظائف وأدوار مضادات الأكسدة لتغطي معظم حاجات الإنسان من الوقاية والشفاء وترميم أنسجة وخلايا الجسم وحماية الحمض النووي الـ «DNA» من تأثير الإشعاعات الضارة والمواد الكيميائية السامة.
وتعد مضادات الأكسدة المسؤول الرئيس عن التعامل مع المشتقات الشاردة والتي تزداد حدة وشراسة في حالات المرض والإرهاق النفسي والجسدي وزيادة التعرض للملوثات البيئية. ولا عجب فهي تتحد مع الأكسجين الزائد وتحرم بذلك المشتقات الشاردة من الأكسجين الذي تحتاج إليه لحدوث تفاعلاتها المدمرة للخلايا، والتي تجعلها تكتسب صفة الثبات. ليس هذا فحسب، بل إن مضادات الأكسدة تقوم بتثبيط عمل المشتقات الشاردة وتصحح أوضاعها، إما بإعطائها «الإلكترون المطلوب» أو بسلبها أحد إلكتروناتها حتى توقف شذوذها وشرودها أو تقوم بتكسيرها والتخلص منها نهائيا وإلقائها خارج الجسم.
ومما يدعو إلى التأمل أن ثمة توازنا دقيقا بين المشتقات الشاردة ومضادات الأكسدة الموجودة في الجسم في الحالات الطبيعية، بحيث لا تطغى المشتقات على المضادات، وبذلك تبقى خلايا الجسم في حماية مستمرة من هذه المواد المدمرة، بالرغم من أن خلايا الجسم تتعرض يوميا لعشرة آلاف ضربة من المشتقات الشاردة.
ومع أن آلية عمل مضادات الأكسدة غير واضحة تماما، إلا أن البحوث العلمية والتجارب المخبرية والدراسات الإحصائية والعادات الغذائية لدى بعض الشعوب، أكدت فاعلية مضادات الأكسدة في الوقاية من الأمراض ومقاومتها.
عائلة مضادات الأكسدة
تضم عائلة مضادات الأكسدة بعض الفيتامينات والمعادن والمواد الطبيعية التي تقاوم المشتقات الشاردة وتمنع عمليات الأكسدة وتلف الخلايا.
ولقد اكتسبت فيتامينات «ا،ج،هـ» أهمية جديدة، بعد أن عرف دورها الكبير في منع التأكسد وإطالة العمر الافتراضي لخلايا الجسم، ومعالجة بعض الأمراض... وهذه هي أهم أفراد عائلة مضادات الأكسدة:
1- بيتاكاروتين وغيره من الكاروتينويدات: البيتاكاروتين، هي المادة التي تتحول داخل الجسم إلى فيتامين «أ». وتعد من أهم مضادات الأكسدة، إذ تمنع أكسدة الدهون خاصة، وتزيل أو«تكنس» جزيئات الأكسجين الزائدة.
ولقد بينت دراسة قام بها باحثون من لجنة الغذاء الأمريكية انخفاض معدلات الإصابة بالشريان التاجي لدى رجال مدخنين تناولوا الكاروتينويدات. تتوافر هذه المواد بصفة خاصة في الخضراوات والفاكهة ذات اللون الأصفر أو البرتقالي مثل الجزر والتفاح والكمثرى والمشمش والكانتالوب والسبانخ واللبن والسمك.
2- فيتامين «ج»: يعمل هذا الفيتامين المهم على تقوية جدران الأوعية الدموية وأغشية الخلايا وتحصينها ضد غزو الجراثيم وفي تنشيط عدد كبير من الإنزيمات وتفعيل العمليات الحيوية والتمثيل الغذائي، وإبطال مفعول السموم، ومقاومة المشتقات الشاردة بتخفيفها ومعادلتها في المناطق المائية بالجسم مثل الدم وداخل الخلايا.
ويفيد تناول فيتامين «ج» بجرعات تتراوح بين 1 - 3 جرامات يوميا في الذبحة الصدرية وتصلب الشرايين وأمراض الشريان التاجي والسرطان والمياه البيضاء، ويتوافر هذا الفيتامين في الموالح عموما والأوراق الخضراء للنباتات كالليمون والبرتقال والجريب فروت والجوافة والفلفل والطماطم والقنبيط والبطاطس.
3- فيتامين «هـ»: ويعد أحد أهم مضادات الأكسدة، ولا عجب فهو يحمي المناطق الدهنية من الجسم مثل جدران الخلايا من حدوث الأكسدة، ويقوم بإزالة المشتقات الشاردة، ولقد أظهرت دراسة قام بها خبراء من جامعة كامبردج أن إعطاء أشخاص جرعات كبيرة من فيتامين «ج» تتراوح بين «400 - 800» وحدة دولية، أدى إلى انخفاض نسبة حدوث الجلطات القلبية بمعدل 77% وانخفاض نسبة تصلب شرايين القلب بنسبة 74%، يتوافر هذا الفيتامين في زيت جنين القمح وزيوت السمك والذرة والزيتون والمكسرات والخضراوات الورقية مثل الخس والبقول والأسماك واللبن والبيض.
4- السيلينيوم والزنك: ويدخلان في تركيب إنزيمات عديدة مضادة للأكسدة والتي تقوم بمحو جزئيات الأكسجين الزائدة. يتوافر السيلينيوم في البصل والثوم والأسماك والحيوانات البحرية... ويتوافر الزنك في العديد من الأطعمة، وخاصة التفاح والكمثرى والخس.
ويذكر أنه لولا وجود هذا الحارس الأمين المعروف باسم فيتامين «هـ» ووجود معدن مهم هو «السيلينيوم» يعمل معه في منع تكوين المشتقات الشاردة أو على أقل تقدير على إضعاف حركتها وتثبيط نشاطها لشاخ الإنسان منذ ولد.
5- الفلافونويدات: وهذه مجموعة من الصبغات النباتية يزيد عددها على 200 نوع من الصبغات، وتتميز بمفعول قوي جدا كمضادات للأكسدة حيث تقاوم المشتقات الشاردة وتحمي فيتامين «ج» من التلف. وتعتبر مركبات «البولويفينولات» الموجودة بالشاي الأخضر مجموعة أساسية من هذه النوعية. وتتوافر الفلافونويدات في الشاي الأخضر، والنباتات ذات الأوراق الخضراء، وفي جلد وقشور الفواكه والخضروات.
المصادر الغذائية
لمضادات الأكسدة
ليس ثمة شك أن معظم الأغذية النباتية من خضراوات وفاكهة وأعشاب طبية تحتوي على نوع أو أكثر من مضادات الأكسدة.
والملاحظ أن معظم مضادات الأكسدة يوجد وبوفرة في الكثير من المصادر الطبيعية كالفواكه والخضراوات والأسماك التي حبا المولى سبحانه وتعالى هذه الطبيعة بها وسخرها لعباده ولما تقتضيه حاجاتهم وظروفهم الطبيعية والطارئة.
كما أن الغالبية العظمى من هذه المصادر الطبيعية التي تحتوي على مضادات الأكسدة قد تكرر ذكرها في القرآن الكريم كما أوصانا رسولنا الكريم باستخدامها في العديد من أحاديثه الشريفة ومنها:
التين والزيتون والعنب والرمان والأسماك.
وثمة قائمة طويلة من الأغذية والنباتات والأعشاب التي كشف العلماء غناها بمضادات الأكسدة... نذكر بعضها فيما يلي:
1- الشاي الأخضر: تحتوي أوراق الشاي الأخضر على أربعة أنواع من «الكاتشنات» التي تقضي على أخطر الجراثيم المعوية، كما تقضي على جراثيم الفم المسببة لتسوس الأسنان. ليس هذا فحسب بل تقضي أيضا على الجرثومة الحلزونية والمسببة لقرحة المعدة والاثنى عشر. ويعتقد عدد من العلماء أن الشاي الأخضر بما يحتويه من مواد مضادة للأكسدة يقاوم حدوث تلف بالحمض النووي، ويوقف تكوين بعض المواد المسرطنة، ويوقف الإنزيم المساعد على نمو السرطان، كما يوقف نشاط الجهاز الإنزيمي الموجود بالكبد والذي ينشط بعض المواد ويجعلها مسرطنة ومن ثم فإن الشاي الأخضر يقي بإذن الله من الإصابة بسرطان الجلد والرئة والمرئ والمعدة والأمعاء والبروستاتا والكبد والبنكرياس والمثانة!
ويعتقد الباحثون أن تناول اليابانيين مقادير كبيرة من الأسماك والشاي الأخضر من أهم العوامل التي تقيهم من الإصابة بسرطان الرئة، وبينت البحوث أن مضاد الأكسدة «الأبيجالوكاتشين جاليت EGCG» الموجود في الشاي الأخضر يحافظ على صحة وسلامة القلب والرئتين وذلك من خلال إنقاص مستوى كوليستيرول الدم الضار وزيادة مستوى كوليستيرول الدم الحميد، كما يقوم بمنع تجمع صفائح الدم بشكل مفرط، ومن ثم يقلل احتمالات حدوث الجلطات، ومن ناحية أخرى تعمل مضادات الأكسدة في الشاي خصوصا «الأبيكاتشين Ec» على تنشيط إفراز الإنسولين وتقليل امتصاص السكر والدهون من الطعام مما يحول دون الإصابة بالسمنة المفرطة التي تسبب الكثير من الأمراض.
2- فول الصويا: يحافظ فول الصويا بما يحتويه من مضادات الأكسدة على سلامة الحمض النووي للخلايا، كما يعمل على منع حدوث السرطانات.
3- الطماطم: كان العلماء يعتقدون أن الطماطم تحتوي على مضاد أكسدة واحد هو فيتامين «ج» ولكن تبين مؤخرا أنها تحتوي على مضاد آخر للأكسدة يسمى «اللوكبين» الذي يمنع الإصابة بسرطان البروستاتا وأمراض الشرايين والقلب.
4- الفلفل الأخضر: يحتوي الفلفل الأخضر أو الأحمر على العديد من مضادات الأكسدة مثل فيتامين «ج» والكاروتين.
5- التمر: مصدر رئيسي لعنصري السيلينيوم والزنك اللذين يعملان كمضادات للأكسدة ويمنعان سرطان البروستاتا.
6- التين: ويحتوي على نسبة عالية من السكريات وأملاح الكالسيوم والفسفور والحديد وفيتامينات أ،ب،ج «من مضادات الأكسدة» وفيتامين «ك» الذي يساعد على سرعة تجلط الدم وإيقاف النزف. فضلا عن احتوائه على مضاد للأكسدة يمنع حدوث سرطان المعدة والقولون.
وبناء على ما تقدم، ينصح الأطباء واختصاصيو التغذية بضرورة الاعتماد على عالم النبات في غذائنا، والابتعاد تماما عن تناول الأطعمة الصناعية، وعدم المكوث لفترات طويلة في الأماكن الملوثة، والامتناع نهائيا عن التدخين، كما ينصح بتناول عشرة أنواع من الخضراوات والفاكهة يوميا.